يوم الخميس 31 ديسمبر 2009 نشرت إيلاف تحليلا بمناسبة انتهاء العقد الأوّل من القرن الجديد، رصدت فيه أهمّ التحولات التي شهدها العقد الأوّل من القرن الجديد، وكان من بينها ظاهرة الحبّ الافتراضي، فالانترنت بدّل حياة الكثيرين وأدخل أنماطا جديدة من أساليب الحياة. فالتعرّف إلى الشريك الآخر لم يعد يتطلّب الخروج من المنزل. الحبّ متواجد على الانترنت، كذلك مواقع المواعدة التي أدّت إلى تزايد عدد الوكالات التي تنظّم اللقاءات العاطفيّة بين الناس عبر الانترنت. ومن منطلق اهتمامي بدراسة ورصد تأثيرات تقنيةِ المعلومات والاتصالات على النسق الاجتماعيّ والقِيَمِ الإنسانيةِ في الحياةِ، استعنت بدراسة قيمة منشورة في ديسمبر عام 2008 في المجلة العلمية : informaworld وهى مجلة متخصّصة في أبحاث تأثيرات تقنيةِ المعلومات والاتصالات والتغيير القيمى الناشئ في العالم نتيجة ثورة المعلومات. والدراسة صاحبتها Mariann Hardey من جامعة يورك (University of York) التي تحتلّ المرتبة الثامنة في ترتيب أفضل الجامعات البريطانية للعام. والدكتورة Mariann Hardey رائدة في دراسات ابتكارات وإبداعات الميديا الاجتماعية، وقدّمت نصائحها لمؤسسات إعلامية كثيرة حول العالم.
وخلصت دراستها القيمة المنشورة في تلك المجلّة، حول بنية القواعد والأطر الاجتماعية للتفاعلات الرقمية، إلى ارتفاع معدلات التفاعلات الاجتماعية الرقمية على الإنترنت خاصة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع المتخصّصة في المواعدة والتعارف بين الجنسين أو البحث عن شريك للحياة eDating، حيث تزايد استخدامها كوسيلة لإقامة العلاقات الاجتماعية مع الغرباء، لدرجة توظيفها في تكوين علاقات حميمية واقعية! والمواعدة بصفة عامّة، هي التعرّف على شخص من الجنس الآخر بطريقة أفضل، مع احتمالية أن ينتهي الأمر بأن يكون ذلك الشخص شريكا للحياة. وقد أثارت السلوكيات التفاعلية الافتراضية الكثير من مخاوف علماء الاجتماع وعلم النفس حول مفاهيم الثقة والهوية! خاصة مع فقدان القواعد والطقوس الاجتماعية لسلوكيات التعارف والتودّد التي تعارف عليها الناس في واقع الحياة. ورغم افتقاد الواقع الافتراضي على الإنترنت لتلك القواعد والطقوس الاجتماعية، لاحظت الدراسات أنّ الأفراد حاولوا فهم أنفسهم، وحفروا قواعد وطقوسا اجتماعية جديدة تحكم سلوكياتهم في تفاعلات التعارف والتودّد والمواعدة على الإنترنت! خاصة وأنّ وسائل الإعلام التفاعلية التي انطلقت قبل 10 سنوات تستخدم الآن بنسب متزايدة في دمج حياة الأفراد الافتراضية مع حياتهم الواقعية.
مواقع المواعدة والتعارف:
يتوفّر لسلوكيات التعارف والمواعدة اليوم تقنيات متعدّدة تزيد فعاليتها مثل، التليفون العادي أو المحمول، والكثير من قنوات الفضائيات التي تقدّم خدمة المحادثة للتعارف ومن ثمّ المواعدة، إلا أنّ شبكة الإنترنت تحتلّ الصدارة، خاصة بعد نتائج الدراسات التي رصدت تراجع الخجل من سلوكيات التعارف والمواعدة عن طريق الإنترنت، وأنّ تلك المواقع أحدثت تغييرا مثيرا في عالم الرومانسية، وأشعلت ثورة في الطريقة التي يعثر بها الإنسان على شريك حياته. ويوجد اليوم عدد كبير من مواقع الإنترنت للراغبين على التعارف فالمواعدة، ومن أشهرها مواقع 'Match.com' التي انطلقت منذ عشر سنوات، ويبلغ أعضاؤها النشيطون حوالي 15 مليون عضوا يمثّلون أكثر من 246 دولة، وأيضا موقع [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا] الأكثر انتشارا في الدول الأوربية والصين والهند! ومن أهمّ نتائج الدراسات وجود ارتباط بين ظهور الأزمات التي يعانى منها العالم وارتفاع نسبة الاشتراك في تلك المواقع ! وكان ذلك واضحا عقب أحداث سبتمبر عام 2001، لأنّه من الواضح أنّ الناس بحاجة إلى الرفقة وقت الأزمات. وتكرّر الموقف مع الأزمة المالية الاقتصادية التي اجتاحت العالم منذ عامين. وبخلاف معظم الشركات العالمية التي عانت من وقع الأزمة المالية الاقتصادية، نجا عدد كبير من شركات التعارف والمواعدة على الانترنت من هذه الأزمة، عندما سجّلت ارتفاعا ملحوظا في نسبة المشتركين بالخدمة.
وكان تفسير البحوث بعد مقارنة بين ألف شخص متأثّرين بالأزمة الاقتصادية بالأشخاص غير المتأثّرين بالأزمة، أنّ الناس عادة ما يخشون الوحدة في الأيام العادية، فما بالكم في أوضاع اقتصادية واجتماعية سيّئة، فإنّهم غالبا ما يميلون إلى إمضاء الوقت مع الأصدقاء والأحباب، ويبدون رغبة أكبر في الارتباط العاطفي، والبحث عن شريك للحياة، خاصة وأن استخدام هذه المواقع للعثور على شريك لا يكلّفهم مبالغ طائلة. وعلى مستوى المنطقة العربية توجد أيضا العديد من مواقع التعارف والمواعدة Arabic dating تحت مسميات مواقع التعارف أو البحث عن زوجة أو زوج أو شريك حياة، ويعتبر موقع "مسلمة دوت كوم" من المواقع السبّاقة في مساعده العرب العزّاب حول العالم للتعارف والحصول على شركاء، وباعتبار هذا الموقع موقعا عالميّا للتعارف بين العرب؛ فإنّ عدد الأعضاء الحاليين يزيد عن 600،000 عضوا من الرجال والنساء العرب، ويوفّر الموقع خدمة الدردشة العربية بين العزّاب والعازبات العرب للتعارف والتواصل بدلا من استخدام خدمة الرسائل الالكترونية البطيئة. وبعض المواقع الأخرى، على غرار Arablounge.com الذي يملك 275،000 عضوا من المسلمين والمسيحيين العرب تقدّم التسلية والمسابقات للجاليات العرقية، وتتشابه معه مواقع أخرى مثل Muslima.com و Naseeb.com ، وهي مواقع للمسلمين من مختلف الانتماءات العرقية. وبتوفّر فيها، بالإضافة إلى النص الرقميّ المتشابك، مجموعات متزايدة من خيارات الوسائط المتعددة التي تتضمّن الصور والتسجيلات الصوتية والفيديو لعرض المعلومات، وتغطّي مدى واسع ومتنوّع من الخصائص الجنسية والبدائل لتفعيل العلاقات بين الجنسين، ولوحظ أنّ غالبية أعضاء تلك المواقع من الجنسين -الذين يرغبون في تشكيل علاقات عاطفية وزوجية على أرض الواقع- يمثّلون هؤلاء الذين لا يملكون الوقت ولا الطاقة الكافية ولا الفرص الملائمة لمقابلة الشريك المناسب نتيجة انشغالهم في أنماط والتزامات عمل تأخذ كلّ الوقت، وهم يحاولون الاستفادة من خدمات تلك المواقع في اختصار وتسهيل المقدّمات لاختيار الشريك المناسب للزواج أو تكوين أسرة.
والإحصاءات الصادرة عام 2006 تبيّن أنّ 11 في المائة من مجموع مستخدمي الإنترنت في العالم قاموا بزيارة مواقع المواعدة والتعارف، وتتشابه تلك المواقع مع الصحف التقليدية التي تنشر إعلانات الباحثين عن الشريك الأخر، حيث تحرص مواقع التعارف والمواعدة عادة على نشر صورة الشخص الراغب في البحث عن شريك لحياته، ولمحة عنه التي عادة ما تتضمن التوجّه الجنسيّ، والخلفية التعليمية وفرص العمل والعمر ومكان الإقامة، المهنة، العمر، الجنسية، الصفات الجسمانية، الاهتمامات الشخصية، العرقية، الديانة والعادات. وتلك الخصائص تعتبر من أهمّ المعايير لإقامة علاقة طويلة الأمد بهدف الزواج، على النقيض ممّا قد نجده في مواقع الجنس التي تؤكّد على الاتجاهات والميول الجنسية والجسمانية فقط، وغالبا ما يتطلّب الأمر دفع رسوم عضوية مطلوبة قبل تمكين المستخدمين من الاتصال بالأعضاء الآخرين وفقا للنظام الداخلي للموقع، وهذه المواقع قد تكون ذات قاعدة عريضة في نطاقها وأكثر شعبية تهدف إلي تلبية نداء مجموعة واسعة متنوعة من الناس، أو تكون أكثر تخصّصا، تتمركز حول مصالح معيّنة أو نمط حياة مرتبط بالتوجه الجنس أو المجتمع المحلي، أو ديانة معينة. في الخلاصة، يمكن تقسيم أعضاء تلك المواقع ذوى التوجه الجنسي المغاير على أساس توقعات نوع الجنس والثقافة. ومع ذلك، فإنّ عمليات التواصل تدلّ على اتفاقهم في محاولات التماس ومعرفة ما في سياق المتواعد الآخر، وقد تؤدّي تلك المحاولات إلى إثارة مشاعر من عدم الارتياح يمكن أن تعطّل التفاعل المتوقع حدوثه، لذلك يحرص كلّ طرف على معرفة المتواعد الآخر، وتأسيس اتصال مستمرّ من شأنه أن يحدّ من تلك المشاعر السلبية، ويؤدّي في النهاية إلى موعد حقيقيّ خارج الإنترنت .
التفاعلات الرقمية بين الجنسين:
وفي هذا السياق يلاحظ أنّ تسمية "مغازلة" أو التودّد تبدو مصطلحات عتيقة، ربما أكثر ملائمة لرواية رومانسية، وليس لوصف التفاعلات الرقمية، ومع ذلك فإنّ بروز سلوكيات الغزل والتودّد بين الجنسين في تلك المواقع، هي وسيلة مناسبة للتفكير في كيفية تحديد وفهم القواعد الممكنة والسلوكيات الملائمة التي تكمن وراء لقاءات المتواعدين فيها، وعلاوة على ذلك، دراسة الكيفية التي يفك بها الأفراد "أكواد" وشفرات اللمحات المعروضة للشخص الآخر، واتخاذ القرارات على أساس هذه التفاعلات الوسيطة، وعادة ما تتقلص طقوس وقواعد المواعدة بين الجنسين في المجتمعات الاستهلاكية، بحيث يتبقّى فقط مختصرات ومبادئ توجيهية عامة على تلك المواقع، ويترك للأعضاء حرية اختيار الكيفية التي ينبغي التصرف بها وفقا لتوقعاتهم للطرف الثاني. ولوحظ في دراسة تتبعية للخبرات اليومية في تلك المواقع أن الإنترنت ليست منفصلة عن الواقع !
وإنّ المتواعدين على لقاء قلقون للعثور على ما يوجد في السياق المختلف، وإنهم قد يدرسون العديد من التوجيهات والأدلة الموجودة على الموقع لمساعدة أنفسهم، وقد يلجئون إلى خيال القصص الرومانسية أو حسابات الحياة الحقيقية، علاوة على الاستعانة بمنتديات الإنترنت والميديا المخصصة لمناقشة ذلك الموضوع. ومن ناحية أخرى تملك سلوكيات المغازلة والتودّد بين الجنسين تاريخا طويلا من المخاطر الاجتماعية، والمواقف المحرجة والمربكة، فالعالم الافتراضيّ أعطى فرصة للكثيرين لأن يقوموا بالتعبير عن آرائهم وأفكارهم وعواطفهم التي لا يستطيعون التعبير عنها في العالم الحقيقي، لأنّ الإنسان عندما يكون وحيدا بعيداً عن الأنظار، ولا يراه أحد، ويملك خصوصيته فإنّه يفعل ويقول ما يريد بشجاعة وصراحة أكبر ممّا لو كان يتواجه مع أحد أو مع مجموعة في اتصال مباشر، وعلى ذلك يحرص المتواعدون في تلك المواقع على فهم وإدراك السلوكيات التي تحمل معها أقلّ المخاطر الاجتماعية وتوصل إلى علاقة ناجحة ولقاء فعّال على أرض الواقع بعيدا عن الإنترنت، وذلك من خلال توسيع مدى الاتصالات الرقمية لخلق طرق جديدة للتلاقي والتحاور مع الآخر، وعليهم أن يتفاوضوا لفهم أكبر مجموعة من المبادئ التوجيهية والتوقعات بينهم، ومفتاح هذه التفاعلات هو عبور الفجوة بين النطاق الافتراضي، والنطاق الحقيقيّ، مع إعادة التفاوض لتحويل الغموض والالتماس بين الواقع والخيال الذي يصوغ تطلّعات وتوقّعات ورغبات المتواعدين التي يتصورونها، كمحاولة لتشكيل القواعد الجديدة للتودّد الرقميّ. وتشير دراسة أجراها حديثاً أربعة أساتذة أكاديميين، من كلية الأعمال من جامعتَي هارفرد وديوك، إلى أنّ مواقع المواعدة على شبكة الإنترنت تخيّب عادةً آمال المستخدمين، لأنّها تقدّم شركاء محتملين بالاعتماد على مواصفات تتعلّق بالسنّ، والعرق، والدين، والدخل، وهى خصائص لا تشكّل معياراً شاملاً لشخصية المرء، ومن ناحية أخرى نجد الذات الافتراضية الغامضة في الإنترنت أسهمت كثيرا في تحويل وتشكيل النماذج الاجتماعية في المجتمع، فمن السهل أن تقابل العديد من الأشخاص على الإنترنت ولن تستغرق وقتا ولن تجد صعوبة، ومن السهولة أن نرسم على الإنترنت قصص حبّ وعواطف مثل روميو وجوليت، وقيس ولبنى، لكن من الصعوبة بمكان أن تجد الحقيقة كما توقعتها في العالم الافتراضي! وينتشر قلق عامّ من تآكل الحدود بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي! لكنّ كل هذا لا يمنع كما يقول البعض على الإنترنت بأنّ هناك علاقات إلكترونية تحوّلت إلى علاقات طبيعية ناجحة، لأنها وضعت تحت ظروف التواصل الإنساني السليم والبناء. ويقول أحدهم رافضًا ترك الجلوس على الإنترنت : لا أستطيع ذلك، إنني أجد نفسي وذاتي هنا، إنني أجد من يحترم رأيي!
هناك فعلا من وجد ذاته في هذا المجتمع الإلكتروني، هناك من أصبح له أصدقاء وأحباب افتراضيون، ثم تحولوا إلى أصدقاء حقيقيين، وهناك من أسّس علاقات زواج ومحبّة نتيجة لهذه الحياة الإلكترونية. وهذا ما يجعلنا نعيد التفكير في كيفية فهم العلاقات الاجتماعية التي يعيشها الأفراد في المجتمعات الإلكترونية الافتراضية، خاصة بعد ما نشرته إيلاف يوم 8-ابريل 2010 نقلا صحيفة "دايلي تلغراف" البريطانية بقيام علماء يابانيين بتطوير جهاز جديد، يقوم بمحاكاة أحاسيس الإنسان مثل دقّات القلب، والمعانقة، مع استطاعة فكّ شيفرة الرسائل العاطفية الموجودة في نصّ مكتوب، ومن ثمّ إثارة ردّ الفعل المناسب داخل الروبوت. ويتمتع هذا الجهاز بالقدرة كذلك على التمييز بين تسع عواطف، من بينها، الفرح، والخوف، والاهتمام، والشعور بالذنب، والغضب، بدرجة من الدقة تبلغ نسبتها 90 %، وهو الأمر الذي يؤدّي إلى توليد أحاسيس جسدية متناظرة مثل الضغوطات والحرارة أو الحماسة الزائدة لدى المستخدم. وستمَكِّن تلك التكنولوجيا الحديثة العلماء من إضافة آلية خاصة بالرغبات الجنسية في المستقبل. لكن السؤال إذا كانت الدراسات والإحصائيات والواقع يبين أنّ الشغل الشاغل للعرب على الإنترنت هو الجنس والدين! ترى ماذا سيفعل العرب إذا توفّر لهم هذا الجهاز اليابانى؟!
اعذروني ان تجاوزت حدودي او كتبت ما يضر بي قبل غيري